¤ الســـؤال أرى بعض الناس عند زيارة المدينة المنورة يأتون المساجد السبعة بالإضافة إلى المسجد النبوي ومسجد قباء، وفي الطائف يحرصون على أن يأتوا مسجد عداس وكذلك مساجد في مكة للصلاة فيها، فما حكم ذلك؟.
* الجـــواب:
الحمد لله
قصد المسجد النبوي بالسفر عمل مشروع دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام والمسجد الأقصى» رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأيضا الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
ومما يضاف إليه من الأماكن المشروع زيارتها دون قصدها بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وزيارة قبور أهل البقيع وقبور شهداء أحد وآخر ذلك زيارة مسجد قباء.
أما زيارة تلك القبور فمشروعيتها داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويستحب أيضا زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد للدعاء لهم والإستغفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ذلك مع أن هذا مشروع لجميع موتى المسلمين، مجموع الفتاوى 17/470.
وأما زيارة مسجد قباء فدليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا، وفي رواية: فيصلي فيه ركعتين، رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع 6154.
أما زيارة بقية المساجد والأماكن الأثرية وادعاء أنها مما ينبغي أن يزورها المرء فهذا لا أصل له، ويجب المنع من زيارتها للوجوه التالية:
الوجه الأول:
عدم ورود الدليل الشرعي على تخصيص تلك المساجد بالزيارة كما هو الحال بالنسبة لمسجد قباء، والعبادات كما هو معلوم مبناها على الإتباع لا على الإبتداع.
الوجه الثاني:
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على إقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يعرف عنهم زيارة تلك المساجد أو الأماكن الأثرية، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ولم يقل أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم -اقتضاء الصراط المستقيم 2/748.
الوجه الثالث:
المنع من زيارتها سدا للذريعة، وهذا المنع يدل عليه عمل السلف الصالح وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فإبتدره الناس يصلون فيه فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض، أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وصححه ابن تيمية في المجموع 1/281.
قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقا على هذه القصة: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل -مجموع الفتاوى 1/281.
وورد في قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت -أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/375، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/448، وقال الألباني رحمه الله: رجال إسناده ثقات.
قال ابن وضاح القرطبي رحمه الله: وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحدا -البدع والنهي عنها ص43- والمراد بقوله أحدا: زيارة قبور شهداء أحد.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو -مجموع الفتاوى 17/469.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعد أن ذلك المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة: أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع -فتاوى إسلامية 2/313.
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله: ليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء احد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له -فقه العبادات ص 405.
وقد يظن بعضهم أن إشتراط عدم إعتقاد فضلها كاف في تسويغ الذهاب إليها أو إلى غيرها من الأماكن الأثرية وهذا مردود للأسباب التالية:
أولا: السلف الصالح رحمهم الله منعوا الذهاب إليها مطلقا دون تفصيل.
ثانيا: أن الذهاب إليها وتخصيصها بالزيارة لكونها على أرض المدينة التي شهدت ظهور الدعوة وبها مواقع بعض الغزوات دليل إعتقاد فضلها إذ لولا قيام هذا الإعتقاد في القلب لما إنبعث القلب لتخصيصها بالزيارة.
ثالثا: لو سلمنا جدلا عدم وجود إعتقاد فضيلتها عند زيارتها فإن زيارتها ذريعة إلى ذلك وإلى حدوث ما لا يشرع، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة كما لا يخفى بل إن العلامة ابن القيم رحمه الله ذكر تسعة وتسعين وجها يدل على هذه القاعدة ثم بعد أن ذكر الوجه التاسع والتسعين قال: وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان أحدهما: ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين -إعلام الموقعين 3/143.
رابعا: التغرير بالجهال عندما يشاهدون كثرة من يزور تلك المساجد أو الأماكن الأثرية فيعتقدون أنه عمل مشروع.
خامسا: أن التوسع في ذلك والدعوة إلى زيارة الأماكن الأثرية كجبل أحد وجبل النور بقصد السياحة والترفيه ذريعة من ذرائع الشرك، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم 5303 المنع من صعود غار حراء لهذا الأمر، والله المستعان.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب.